تضامنًا مع السّكّان الأصليّين في هندوراس: ارفعوا أيديكم عن بيرتا

roots

”ستظلّ جبهتي مرفوعة، وسأقول لهم بكل كرامة: يخطئ رجال الأعمال خطأً فادحًا إن كانوا يعتقدون أنّ شعب اللنكا سيكفّ عن نضاله التاريخي دفاعًا عن أرضه وأملاكه المشتركة… جريمتي هي أنني حملت بطانيات عليها شعار المجلس المدني للمنظّمات الشّعبيّة والأهليّة (كوبينه)، وأنني هتفتُ وكتبت القصائد دفاعًا عن النّهر الأبيض“.

هكذا عبر إذاعة غلوبو أكّدت (ألبيرتا كاسيريس)، أو (بيرتا) كما يحلو لأصدقائها ورفاقها مناداتها، لدى معرفتها أنّ المحكمة أمرت باعتقالها الفوريّ. منذ صدور القرار في العشرين من أيلول، اضطرّت (بيرتا) للتّواري، فالسّلطات في هندوراس لا تريدُ اعتقالها فحسب، بل تريد إنهاء حياتها كما أنهت حياة مناضلين آخرين من شعب اللنكا.

(بيرتا كاسيريس) هي المنسّقة العامّة لمجلس ”كوبينه“ المدني للمنظمات الشعبية والأهلية، وأحد مؤسّسيه. يتعرّض ناشطو وناشطات المجلس لعمليّات قمع وملاحقة ممنهجة من قبل الجيش الهندوراسي، وتحظى عمليات القمع هذه بتأييد الجهاز القضائي المتواطئ مع الجيش والشركات الكبرى التي تنوي مصادرة أراضي السكان الأصليين اللنكا في منطقة النهر الأبيض لبناء مشروع ضخم مؤلّف من أربعة سدود كهرمائيّة سيتم تشييدها في نهر الغوالكاركي. تُشرفُ على هذا المشروع شركتان عملاقتان، إحداهما صينيّة والأخرى من هندوراس. وفي ظلّ إشاعات متواترة عن نيّة الشركة الصّينيّة الانسحاب من المشروع، لخشيتها أن يتوقّف بسبب معارضة معظم السّكان المحليّين له، لجأت الشركة الهندوراسيّة (ديسا) بمساعدة الجيش والحكومة والجهاز القضائي، إلى استهداف المعارضين والمعارضات البارزين للمشروع بهدف ترهيب شعب اللنكا وإرغام السّكّان على توقيع أوراق تنازل عن أراضيهم والموافقة على بناء السّدّ والقبول بالتّعويضات المادّيّة. لم تُثنِ هذه المحاولات السكّان الأصليّين اللنكا عن التّظاهر ضدّ المشروع عن إغلاق الطّرق المؤدّية إلى موقع بناء السّدّ. في 15 من تمّوز الماضي، قادَ (توماس غارثيا)، وهو عضو بارز في ”كوبينه“، وفدًا من مئات السّكّان الأصليين اللنكا إلى موقع شركة ”ديسا“ كي يبلغوا الشركة رفضهم إقامة السّد. لم يكد يصل كل أعضاء الوفد بعد حتّى قام الجيش الهندوراسي، الذي لعب دور الذّراع العسكريّة للشّركة، بإطلاق النّار على المتظاهرين. تعرّض (غراثيا) لإطلاق ثلاث رصاصات عن بعد أمتار قليلة، بحسب شهود عيان، فأُرديَ قتيلًا. (غراثيا) هو أب لسبعة أطفال، ومناضل لسنوات طويلة للدّفاع عن أراضي النهر الأبيض وحقوق اللنكا، ولم يكن مسلّحًا ولم يؤذِ أيًّا من الجنود أو مسؤولي شركة ”ديسا“. أما ابنه ذو الـ17 ربيعًا فأُصيبَ هو الآخر بعيارات ناريّة في الكتف والذّراع، مما استدعى نقله إلى المشفى. شكّلَ الاعتداء على المحتجّين السلميّين في النهر الأبيض حلقة إضافيّة في مسلسل انتهاكات الجيش الهندوراسي لحقوق الإنسان وتدخّله في أداء مهامّ شُرطيّة في خرقٍ سافرٍ للدّستور.

منذ الانقلاب الذي قاده الرّئيس الحاليّ (بورفيريو لوبو)، الذي استولى على السّلطة العام 2009، يقوم الجيش بشكل مستمر باستخدام العنف المفرط لقمع السّكّان الأصليّين والمعارضين السياسيين والبيئيين والناشطين ضد الحكومة بموجب قانون طوارئ فرضه (لوبو)، والّذي وسّعَ بشكل تدريجيّ من صلاحيّات الجيش وزاد من عسكرة الدّولة. ومن الجدير بالذّكر أن معظم حكومات أميركا اللاتينيّة رفضت الاعتراف بحكومة (لوبو) لأنها ثمرة الانقلاب، إلّا أنّ إدارة الرّئيس الأميركي (باراك أوباما) كانت من أوائل الدول التي اعترفت بـ(لوبو) بل وموَّلَت جيشه.

لماذا ”كوبينه“؟

يُعتبر تجمّع ”كوبينه“ أحد أبرز القوى الناشطة في أميركا الوسطى في مجال الدّفاع عن حقوق السّكّان الأصليّين وحماية أراضيهم من جشع الشّركات متعدّدة الجنسيّات. ومنذ تأسيسه في بداية التّسعينات من القرن الماضي، دأب ”التّجمّع“ على مقاومة الشّركات التي تعمل على قطع الأشجار في المناطق التّابعة لشعب اللنكا، وقد نجح، بعد أكثر من عقدين من كفاح شعبي، بطرد عدّة شركات من أراضي اللنكا واستعادة الملكيّة على 100 قطعة أرض سلبتها تلك الشّركات. كما وينشط تجمع ”كوبينه“ في المنتديات الدّوليّة على تسليط الضّوء على قضيّة اللنكا والتّأكيد على حقّ السّكّان الأصليّين بتقرير مصير أراضيهم وحرّيّتهم المطلقة بمنح أو سحب موافقتهم على مصادرة أراضيهم. إن إجبار اللنكا على التّنازل عن أراضيهم أو إقامة مشاريع على أراضيهم دون موافقتهم الصّريحة الحرّة يتنافى مع اتّفاقيّة منظّمة العمل الدّوليّة التي تعنى بحقوق السكان الأصليّين، والتي صادقت عليها هندوراس. تدّعي شركة ”ديسا“ والإعلام الرّسميّ في هندوراس أن أقامة السد تحظى بموافقة معظم سكّان النّهر الأبيض، إلّا أن احتشاد آلاف السكان اللنكا خارج قاعة المحكمة للتّنديد بمحاكمة (بيرتا) ورفيقيها (أورليانو مولينا) و(توماس غوميس) بالإضافة إلى المظاهرات المستمرة التي ينظمها السكان ضد إقامة السّدّ تشيرُ بوضوح إلى عكس ذلك.

بالإضافة إلى الحكم على (بيرتا) بالسّجن الفوريّ حتّى قبل بدء المحاكمة، قررت المحكمة في هندوراس إلزام (مولينا) و(غوميس) بالمثول أمام المحكمة مرّةً كل أسبوعين. تعرّضت (بيرتا) للاعتقال في منتصف أيّار الماضي، وأُفرجَ عنها بعد يومٍ واحد لعدم توفّّر أي أدلّة تثبت حيازتها للسلاح، كما زعمت شركة ”ديسا“. أما التّهمة الموجهة لـ(بيرتا) هذه المرّة فهي تحريض السّكّان الأصليّين على إلحاق أضرار مادّيّة بممتلكات شركة ”ديسا“.

يا لها من عدالةٍ ملتوية تلك الّتي تجرّمُ المدافعاتِ والمدافعين عن حقوقهم وعن أرضهم وأرض أجدادهم، بينما تعيثُ الشّّركاتُ الضّخمة في أراضيهم فسادًا بحماية الجيش وتحت غطاء شرعيّة القضاء.

ارفعوا أيديكم عن (بيرتا) وعن أراضي النّهر الأبيض!

نُشر في ”المنشور“

One thought on “تضامنًا مع السّكّان الأصليّين في هندوراس: ارفعوا أيديكم عن بيرتا

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s