فشّة خلق: عن الإعاقة والاختلاف وفلسطين التي نحلم بها

أنا امرأة عمياء.. آه، عمياء، مش كفيفة ولا ضريرة ولا مكفوفة. ليش منحس إنه كلمة أعمى أو عمياء ثقيلة على الأذن ولازم دايماً نخفف من وطأتها بالاستعاضة عنها بكلمات أكثر لطفاً؟ وكإنا منستحي بكلمة أعمى، وكإنه كلمة أعمى شتيمة أو إهانة.

غالباً استخدام المبصرين إلها بسياق سلبي أجبرنا على محاولة إيجاد بدائل بس يمكن أجى الوقت نبطل نسمح فيه للمبصرين يحددولنا مصطلحاتنا وينَقّوا عنا الطريقة اللي منوصف فيها أنفسنا.

الأمر نفسه بينطبق على استخدام “ذوي الاحتياجات الخاصة” بدلاً من “أصحاب الإعاقة”. الخوف من قول كلمة إعاقة ومحاولة تغطيتها بكلمات مغمغمة مثل احتياجات خاصة بس بيكرّس مفهوم أن الإعاقة شيء سلبي ولازم نخبّيه أو نمكيجه. بلا مكياج، إحنا حلوات هيك. فش أحلى منا.

المهم، وين كنا؟ منرجع من الأول: أنا امرأة عمياء بسكن وبشتغل في القدس وبحاول أكون مستقلة قدر الإمكان وبكره الخيارات السهلة.. وبحب أنُق وبحس إنه من حقي أنق.

قبل ست سنين وبعد صراع سخيف مع حالي ومع عقدي قررت إني أبلش أمشي بمرافقة العصا. بكيت بحرقة أول ما مسكتها، وبالمرة الثانية كمان بس بعدين صرنا صحبة وندمت على عنادي السابق ورفضي لاستخدامها لسنوات. يا إمي قديش كنت رح أوفر على حالي حوادث ووقعات واصطدامات لو مكنتش عنيدة.

مش بكل مكان ولا بكل شارع سهل تمشي مع عصاي. استخدامها بالشوارع غير المعبّدة والمليانة حفر ومطبات مرهق، والصعوبة بتزيد بالشتا والمستنقعات، مش إنه عنجد شتّت هالسنة بس هذا موضوع ثاني.

عدا عن إنه المبصرين بيكونوا شايفين العصاي وشايفين إنك ماشية مع عصاي -مهو أنا بلبسش طاقية إخفاء ولو إني بتمنى لو كان عندي طاقية إخفاء- بيكونوا شايفين ومع هيك بتشركلوا وبيخبطوا فيكِ وبعدين بكل برادة بيحملوكِ مسؤولية الشركلة. بس يا ريت وقفت على هيك.

من الشغلات اللي ساعدتني العصاي أعملها إنّي أمشي بالقدس لحالي. أنا بعشق المشي بالبلد وخاصة الصبح، بس صايرة أحياناً أنفر منه.

الاختلاف عن الآخرين مش سهل وخاصة لما يكون الاختلاف بارز ومرئي كثير، عشان هيك قلت إني بتمنى لو كان بإمكاني ألبس طاقية إخفاء.

بدّيش لما أمشي بالشارع شي عشرين واحد يعملولي إرشاد عن بعد ويقولولي “يمين، شمال، انتبهي، عمود!” وأنا بكون عارفة طريقي ومش بحاجة لمساعدة، ولما بكون بحاجة لمساعدة أصلاً معنديش أدنى مشكلة أطلبها وبستحيش أطلبها.

بدّيش لما أطلع على الباص تنهال على مسامعي همسات الشفقة المبطّنة أو المش مبطّنة والركّاب يبلشوا يتحزونوا عليي ويشكروا ربهن على نعمة الصحة وتمتد ألف إيد عشان تساعدني أطلع درجات الباص أو أنزلهن. صرلي عشر سنين بتنقلش غير بالمواصلات العامة وفعلاً مش بحاجة لهذا الدفق من الشهامة، وكمان مش بحاجة لانهمار التعاطف.

بدّيش وأنا ماشية لحالي يسألوني “ليش فش حدا معك؟ وين أهلك؟” ليش أصلاً لازم يكون فيه حدا معي؟ وكإنه إذا إنت صاحبة إعاقة بينفعش تمشي لحالك إلا مع مرافق.

بدّيش إذا طلبت مساعدة من حدا يقوم بمساعدتي عشان “بيكسب فيي أجر” أو عشان “أدعيلها يكون فلان من نصيبها”. أصحاب الإعاقة مش مطية من خلالها تعدلوا علاقتكو مع ربكو على فكرة، أو حنفية لضخ الحسنات. والمساعدة مفروض تنطلق من حس تكافل اجتماعي مش كشكل من أشكال الصدقة أو الواجب الديني.

بدّيش وأنا ماشية أسمع ناس يتمتموا ويحكوا عني وكإني جاي من كوكب ثاني وهني مفكرين إني مش سامعتهن.. كثير من المبصرين بيفكروا إنه إذا إنت بتشوفيش معناها كمان بتسمعيش وبتحسّيش وبتنتبهيش لحكيهن، بس للأسف سمعنا غالباً بيكون منيح كثير، أحسن مما ينبغي يمكن.

بدّيش شباب بالغين –مش عم نحكي عن الأطفال بس- يشوفوني ويصيحوا بصوت عالي “وحّدوهّ” سخرية من إعاقتي. أنا كنت مفكرة إنه زمن السخرية الفجة من أصحاب الإعاقة ولّى. وأنا صغيرة كنت كل مرة أطلع فيها على الدكانة بقريتنا الصغيرة يجي ولد ما يسمعني كلمة مهينة. أحياناً كنت أبهدلهن أو حتى أضربهن وأحياناً أخرى أغرش وأقول إنه صغار ومعندهنش وعي. بس السخرية بتقتصرش على الصغار.

بديش ناس لا بعرفها ولا بتعرفني بأول مرة بشوفها تسألني عن سبب “مرضي” أو تقلي “الله يشفيكِ”. أولا أنا مش مريضة وثانياً بديش حدا يشفيني.

بدّيش إعاقتي تكون الخانة الأولى في بطاقة التعريف تبعتي، مش لإن،ي بستحي بإعاقتي. هيّني افتتحت المادة هاي فيها. الإعاقة جزء واحد، مهم آه، بس برضه جزء واحد من تجربتي وشخصيتي وحياتي وهويتّي المتفرعة ولهيك بتحمّلش حدا يختزلني بإعاقتي أو يبني نظرته إلي على أساس هاي الإعاقة، حتى لو هاي النظرة كانت إيجابية. بديش الإعاقة تكون معيار حكم الناس عليي أيّاً كانت طبيعة الحكم.

بديش الناس يعتبروني “ملهمة” لإني “تغلبت” على الإعاقة. أصلاً أنا بعتبرش إنه فيه بيني وبين الإعاقة مباراة وبهاي المباراة فيه منتصر ومهزوم. خطاب التغلب والتحدي والإلهام بكثير أحيان بيكون الوجه الثاني، الأكثر لطفاً، لخطاب الشفقة. الخطابين بيختزلوكِ. الخطابين بيتعاملوا مع الإعاقة كوبال. الخطابين بيشوفوكِ مفعول به.” الخطابين بيتخيلوا ثنائيات كسولة عن أصحاب الإعاقة وبيحصروكِ ضمن هاي الثنائيات. الخطابين بيصمموا قوالب جاهزة ودرامية بتلخّص تجارب أصحاب الإعاقة المركّبة جداً بكلمة “واوّ” أو “يا حرامّ”. طب بينفعش تسمحولنا نعيش حياتنا وتناقضاتنا بدون علامة تعجّب؟ من شو بتشكي النقطة؟

وبدّيش لما أعبّر عن سخطي وغضبي أو إرهاقي من المواقف اليومية اللي بتعرّضلها بسبب إعاقتي ينطلب مني ما أكونش “حساسة زيادة عن اللزوم”. أولا عشان أنا فعلاً مش حساسة. لو كنت حساسة كنت هاجرت من زمان أو كنت اخترت الانزواء بدوائر اجتماعية مريحة أو بفقاعة الأكاديميا. بس على الرغم من قلة حساسيتي المكتسبة أنا برفض إنه تتحول هاي المشاكل لبديهيات وثوابت لا يمكن تغييرها. وثانياً، أنا بديش أتعود على هذا الواقع. غض الطرْف ممكن يكون مريح بس مش حل.

أنا بدّيش أتَمِسح، مش بس عشاني بل بالأساس عشان أصحاب وصاحبات الإعاقة بشكل عام. مش كل أصحاب وصاحبات الإعاقة عندهن ترف الانزواء في فقاعة خالية من الشفقة والازدراء والأحكام المسبقة، وكمان مش الكل عندهن قدرة تحمل تصرّفات الآخرين المؤذية. عشان مهما كانت شخصيتك قوية وحكي الناس بيفرقش معك، إنت مش عايشة بفراغ. مش كل أصحاب الإعاقة بيقدروا يردوا على نظرة الشفقة أو همسة الإهانة بابتسامة. من حقنا نغضب، من حقنا نعبر عن غضبنا، من حقنا نتعب. الطلعة على الشارع مش المفروض تكون معركة يومية وإحنا طاقاتنا محدودة ومتفاوتة.

من حقنا نطالب إنه الآخرين يحترمونا مثل ما إحنا ولما منحصلش على هذا الاحترام، من حقنا نغضب ونحتج بدون ما نُتَّهَم بالحساسية المفرطة. التمييز ضد أصحاب الإعاقة وإقصاءهن من الحيز العام أو طردهن منه مش مشكلة أحاسيس ومشاعر. ولو كل مجموعة تعرّضت للتمييز أو التهميش أو الإقصاء أو القهر سكتت أو صُنّفت اعتراضاتها واحتجاجاتها على أنها حساسية مفرطة، معناها لشو الناس بتناضل؟

بعرف إنه مش كل مجتمعنا هيك. متأكدة إنه مش كل مجتمعنا هيك، بس كمان اللي “هيك” كثار ويصعب تجاهل الأفكار اللي بيحملوها، ومشكلتنا مع هاي الأفكار مش معهن كأشخاص.

بعرف إنه الوضع الآن أحسن بكثير مما كان عليه قبل عشر سنين، مثلا. وبعرف كمان إنه جزء من هاي التصرفات نابع من نوايا حسنة، بس حسن أو سوء النيّة ما بيخلّي التجربة أهون. حسن النية لوحده مش مبرّر. ممكن حسن النية يخلينا نسكت ونتحمل مرة وثنتين وميّة، بس لما الظواهر تعيد نفسها على مدى سنوات بيصير من حقنا نقول طفح الكيل. وعنجد طفح الكيل.

وبما إني حكيت كثير عن اللي بديش اياه، كمان لازم أقول شو بدي فتحمّلوني كمان سطرين.

مش رح أطلب كثير شغلات بصراحة: بس بدي فلسطين حرة من النهر للبحر، هذا أولاً. وبدّي تكون مدنها وشوارعها ومواصلاتها العامة ومدارسها وجامعاتها ومؤسساتها وأماكن العمل فيها متاحة لأصحاب وصاحبات الإعاقة ومساحاتها العامة مفتوحة للمختلفين. بدّي فلسطين أقدر أنا وغيري من أصحاب الإعاقات بكل أنواعها، الجسدية والذهنية، نمشي بدون ما حدا يأشّر علينا أو يهمس أو يتعجّب من وجودنا. مش عم بطلب كثير، صح؟

ملاحظات وتعليقات بتتراوح من الشفقة المبطّنة والشفقة المعلنة وحتى السخرية في بعض الأحيان بتصير جزء من حياتك اليومية اللي لازم تتعودي عليه عشان تقدري تطلعي على الشغل ل يوم، بس أنا ديش أتعود، أو على الأقل بحس إنه مش لازم أتعود، غلط أتعود.

رسالة مفتوحة لفريق مسار إجباري

حين كتبتُ رسالة الحبِّ الأولى، لم أجدْ أبلغَ من أغنية “مرسال لحبيبتي” كي أستهلَّ بها اعترافي المتعثّر، وحين أخبرني صديقي في مخيم اليرموك أنّ الطيران الحربي يمطرُ حارته بالقذائف، جمّد الخدر أصابعي وتراكمت الدُّموع على زجاج عينيَّ. لم يكنْ بوسعي سوى أن أكتب له: “اشبعوا ساعة الوداع واحضنوا الحاجة بضمير / ده اللي فاضل مش كتير”.

 

هاتان الأغنيتان من بين أغانٍ كثيرةٍ رافقت حبَّنا ومخاوفنا، وسعاداتنا العابرة ومعاركنا الخاسرة وانكساراتنا وانتصاراتنا، ولأنّ موسيقاكم احتضنت أملنا وعجزنا، وحملت قلوبنا إلى شوارع مصر، دون الحاجة لجواز سفرٍ أو تصريحٍ أو تأشيرة، ولأنّنا لا نريد لنشاز التّطبيع أو التّصفيق المفلس وصخب النُّخب أن يشوّه هذه الموسيقا وأن يصادر ذكرياتِنا المرتبطةَ بها، نطلب منكم إلغاء أمسيتكم المقرّرة في مدينة رام الله المحتلة، ونرجوكم أن لا تساهموا في تحويل الاحتلال إلى مهرجان، يروّج لأسطورة استقلال واستقرار الضفّة الغربية، ويسوّق دعاية السِّيادة المزعومة للسلطة الفلسطينيّة عليها.

لو كنّا نعيش في ظروفٍ “طبيعيّة” لكانت هذه الأمسية فرصةً ننتظرها بفارغ الصَّبر، فرصةً قد لا تتسنّى لنا مجدداً، فمصر عصيّة على الكثير منا، ولكنّنا لا نعيش في ظروف طبيعيّة، ورام الله لم تتحرّر من سطوة الاحتلال المطلقة، وتحكّمه بكلِّ ما يدخل إليها ويخرج منها.

الحصول على تأشيرة لزيارتها يتطلّب موافقة الاحتلال والمرور بحواجزه ومقابلة جنوده، ومحبّوكم في غزة وهم كثر لن يتمكنوا من الحضور، لأنّ سكان غزة المحاصرين محرومون من دخول الشّطر الآخر من وطنهم المحتّل، وعشّاقكم من فلسطينيي الشّتات لن يتمكنوا من الحضور، لأنّ الاحتلال يحرّم بلادهم عليهم.

كثيرة هي المسارات التي يمكنكم سلوكها للتّواصل معنا، وموسيقاكم مهّدتها وكلمات أغانيكم عبّدتها، أما مجيئكم إلى فلسطين فليس مساراً إجبارياً، ومن المفترض أن لا يُطرَح من الأصل.

نقدّر عالياً رغبتكم بالغناء أمام محبّيكم في فلسطين ولن نقول أنّها ترف، فالموسيقا والاستمتاع بها ليسا ترفاً ولكن في الوقت الذي يُمنَع فيه المرضى والجرحى في غزة من دخول رام الله والقدس لتلقي العلاج، وفي الوقت الذي يُمنَع الموسيقيون الفلسطينيون في مخيمات اللجوء من العودة إلى فلسطين ومن الغناء والعزف في مسارحها وشوارعها، نتوقّع من الموسيقيين العرب، ومنكم تحديداً، أن ترفضوا “الامتياز” الذي أتاحه لكم الاحتلال بدخول فلسطين بمباركته. لا يُعقل أن يُحرَمَ الفلسطينيون من حقّهم في العودة، بينما يوافق الفنانون العرب على إقامة الأمسيات في بلادٍ فتحها الاحتلال لهم وأوصدها أمام أهلها.

نتطلَّع إلى استقبالكم والاحتفاء بموسيقاكم في وطنٍ حرٍّ ومستقلٍّ يوماً ما، وحتّى ذلك اليوم، ستظل قلوبنا مفتوحة لكم، أوليس هذا تواصلاً أيضاً؟!

الجانب الآخر من صناعة استخراج الذهب

لاتينيا

في موقع حبر

«قد أكون فقيرة وأمّيّة ولكنني أعلم أن البحيرات والجبال هي كنزنا الحقيقي وسأناضل كي لا يدمّرها المنجم» مكسيما أكونيا دي تشاوبي، (45 عامًا).

في الوقت الذي يفتح فيه القادة والرؤساء قناني الشمبانيا احتفالًا بمعاهدات بيئية لن يتم تطبيقها واحترامها، تقوم الحراكات الاجتماعية في أميركا اللاتينية، والتي تشارك فيها هذه المزارعة البيروفية المعروفة بـ«سيدة البحيرة الزّرقاء»، بحماية الكوكب نيابة عنا جميعًا.

فمكسيما تملك مع أسرتها مزرعة تحتل موقعًا استراتيجيًا قرب البحيرة الزّرقاء في شمال البيرو، وهي بحيرة غنيّة بالذّهب والنحاس. ولكن هذا الغنى انقلب من نعمة إلى نقمة على العائلة التي تعيش على زراعة الكفاف وتعتمد على البحيرة لبقائها والمحافظة على أسلوب حياتها، بعد أن دخلت الشركات متعددة الجنسيات على الخط، محاولةً الاستحواذ على المنطقة لبناء منجم كان مقرّرًا أن يصبح أكبر منجم ذهب في أميركا اللاتينية، وثاني أكبر منجم في العالم. Continue reading “الجانب الآخر من صناعة استخراج الذهب”

وداعاً بيرتا.. ناطورة الأنهار

في موقع المنشور

رغم أن مواجهة التغيّر المناخي والأخطار البيئية ضرورة وليست ترفاً، فإن أحد أبرز الانتقادات الموجّهة للناشطين البيئيين يصب في كونهم مرفّهين ينأون بأنفسهم عن النضالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لم يأتِ هذا التنميط من فراغ فهو ينطبق على الكثير من الناشطين البيئيين البيض والليبراليين في أوروبا والولايات المتحدة إذ يمضون وقتهم في التنقل بين فنادق العالم والسفر من مؤتمر إلى آخر وحصد المال الشّخصي.

إلا أن الواقع في أميركا اللاتينية مختلف تماماً حيث نجد المناضلين البيئيين في الخطوط الأمامية للدفاع عن أراضيهم في وجه الجرّافات والرّافعات والرّصاص ومن الممكن أن يدفعوا حياتهم ثمناً لهذه لمواجهة. Continue reading “وداعاً بيرتا.. ناطورة الأنهار”

عن نسوية الصالونات وأصوات النساء ذوات الإعاقة

في موقع حبر

حين تقدّمت للعمل في جمعية نسوية قبل التحاقي بالجامعة، كان سقف توقّعاتي منخفضًا. فقد كنت أصغر المشتركات وأقلهن خبرةً ومجرّد دعوتي إلى المقابلة كان أمرًا مفاجئًا. إذن، ما شكّل صفعة قاسية لكبريائي لم يكن الرّفض بحد ذاته، بل الطريقة التي تعاملت بها ممثّلات الجمعية النسوية معي أثناء المقابلة.

كان السؤال الأول الذي طرحنه هو «لماذا لم تذكري في سيرتك الذاتية أنك تعانين من إعاقة؟». حاولت تجاوز الإهانة المتمثّلة بالسؤال والتي ينضح بها إلصاق صفة المعاناة بالإعاقة الجسدية، واستفضت بالشرح والكلام وكنت واثقة أنني «أفحمتهنّ»، ولكن سرعان ما أدركت سذاجة تلك الثّقة بعد سماع السؤال الثاني من المديرة: «ولكن هنالك جمعيّات مخصصة لأصحاب الإعاقة وللمكفوفين تحديدًا، أليس من الأفضل أن تتقدمي للعمل في إحداهن فالعمل هنا سيكون صعبًا عليك؟».

كان في نبرتها مزيج من الشّفقة والاستهجان. الشعوران قد يبدوان متناقضين للوهلة الأولى، ولكن تجربتنا الحياتية تثبت أنهما منسجمان تمامًا، فالشّفقة هي محاولة بائسة لتلطيف الإهانة وتغليفها بتعاطف إنساني كاذب لم نطلبه أصلًا. Continue reading “عن نسوية الصالونات وأصوات النساء ذوات الإعاقة”

ثلاثي أنغولا وعنصرية السجون الأميركية

في موقع حبر

في 20 تشرين الثاني 2014 أصدرت محكمة استئناف في ولاية لويزيانا الأميركية قرارًا بالإفراج عن آلبرت وودفكس وتبرئته من جريمة القتل العمد. رأت المحكمة أن وودفكس قد تعرّض للتمييز العنصري أثناء محاكمته التي اعتبرت غير دستورية، ولكن الأخير حُرم من قراءة قرار الحكم المؤلّف من ست وثلاثين صفحة بنفسه بسبب رفض السجّانين فك الأصفاد عن يديه. قدّمت النيابة العامة سلسلة من الاستئنافات والطعون للحؤول دون إطلاق سراح الرجل الستّيني واشترطت بقاءه في الحبس الانفرادي المستمر منذ العام 1972 بدعوى إمكانية تشكيله خلية سياسية معارضة. ورغم إصدار القاضي الفدرالي لأمر بالإفراج الفوري عنه في حزيران 2015 إلّا أن اعتقاله تواصل وتمكّنت النيابة العامة من استئناف القرار، مهدّدةً بإعادة المحاكمة للمرة الثالثة. ولم توافق على الإفراج عنه وإغلاق القضية إلا عند توصّل الطرفين إلى صفقة أُفرج بموجبها عن وودفكس في 19 شباط الحالي لقاء إعلانه «عدم الاعتراض» على تجريمه بجنايتين مخففتين هما القتل غير العمد والسطو.

Woodfox-1

Continue reading “ثلاثي أنغولا وعنصرية السجون الأميركية”

مفاجآت بطولة أستراليا المفتوحة

في موقع حبر

تتميّز بطولة أستراليا المفتوحة لكرة المضرب عن نظيراتها من البطولات الأربع الكبرى بوفرة المفاجآت والنتائج غير المتوقّعة التي تفرزها.

من منّا ينسى تأهل القبرصي ماركوس باغداتيس إلى الدور النهائي في العام 2006 أو وصول الفرنسي جو تسونغا (بابتسامة عريضة وكاريزما ذكّرتنا بمحمد علي كلاي) إلى نهائي العام 2008 بعد انتصار ساحق على نادال في الدور نصف النهائي أو وصول السلوفاكية دومينيكا سيبولكوفا إلى الدور نفسه قبل عامين؟

تنبع كثرة المفاجآت بشكل أساسي من كون منافسات بطولة أستراليا تجري في بداية الموسم حيث يحاول معظم اللاعبين البارزين نفض الغبار عن مضاربهم بعد حوالي شهرين من استراحة نهاية العام وهي أطول إجازة يحظى بها اللاعبون المحترفون.

australia-tennis

Continue reading “مفاجآت بطولة أستراليا المفتوحة”