جِئْتُكَ..
بقدميْنِ حافيتَيْنِ متشقّقتين
وكنزةٍ ملطّخةٍ بالملحِ والوحل
ووجهٍ مليءٍ بالنّمَشِ الأسود
وشَعرٍ مُبَعْثَر
أَتيْتُ هُنا..
وغايةُ طُموحي
أن تمنحَني إذنًا استثنائيًّا
كي أُنَقِّبَ في عَيْنَيْكَ
عن قَوْسِ قُزَحٍ صَغير
وحُلُمٍ طفوليٍّ عتيق
عن نجمةٍ نزقةٍ مُشاكِسة
وقَمَرٍ إباحيٍّ بذيء
عن سوناتا عزفتها إِلَهةُ سرمديّةُ الحُزن
وقصيدةٍ يتيمةٍ بلا عنوان
خَطَّتها أناملُ الخريفِ
على عَجَلْ
جِئْتُكَ..
بعد أن عبرتُ بحارًا من الألمِ الشّهيّ
وجبالًا من الأملِ القَلِقْ
بقدميْنِ حافيتيْنِ متشقّقتين
وكنزةٍ مُلَطَّخةٍ بالوحلِ والملح
ووجهٍ مليءٍ بالنّمشِ الأسود
وشَعرٍ مُبعثَر
وغايةُ طموحي
أن تمنحَني إذنًا استثنائيًّا
كيْ أُنَقِّبَ في عينيَكَ
عن ياسمينةٍ متمرّدة
هَرَبَتْ من حديقةِ القصر
إِلى أَزِقّةِ العشوائيّات
عن عصفورٍ مُعتَقَل
لا يملِكُ صفحةً على “فيس بوك”
ولا حسابًا وآلافَ المتابعينَ على “تويتر”
عن فراشةٍ شهيدة
سقطتْ على مذبحِ النّور
لا يعرفُها ثوّارُ العالمِ الافتراضيّ
ولم تسمعْ بها
مؤسّساتُ المجتمعِ المدنيّ
جِئْتُكَ..
بقدمينِ حافيتيْنِ متشقّقتيْن
وكنزةٍ مُلَطَّخةٍ بالوحلِ والملح
ووجهٍ مليءٍ بالنّمشِ الأسود
وشَعرٍ مُبعثَر
وغايةُ طموحي
أن تمنحَني
إذنًا استثنائيًا
كيْ أُنَقَّبَ في عَينيْك
عن خاتمِ زفافِ جدّتي
باعَهُ جدّي
كي يشتريَ بندقيّةً
عن بندقيّةِ جدّي
سرقها المستعمرُ
بعدَ سقوطِ قريتنا
عن حجارةٍ غاضبة
يلقيها أطفال قلنديا وبرزة
على دَبّابة الجيش
عن دوشكا لإرهابيٍّ مُلتحٍ من القابون
يُقاتِلُ
ويحمي المظاهراتِ
ويُسعفُ الجرحى
ويحترفُ سرقةَ بعض السّاعات كلَّ شهر
ليُقَبِّلَ حَبيبتَهُ
ويحتسيَ معها الرّيّان
ويضاجِعَها خِلْسةً
عن أشلاءِ مآذنِ دوما
ما زالت تُكبِّرُ وتُغَنّي
وتقضُّ مضجعَ الطّاغية
عن أهازيجِ جوبر
عن ورودِ داريّا
عن زغاريدِ نساءِ حرستا
وعرقِ مجاهدي الميدان
عن ثائرةٍ
من أسرةٍ محافظة
اعتادت مواعدةَ عشيقَتِها في قاسيون
قبلَ أن يختطفَها
ضابطُ المخابرات
وتتّهمَها
محكمةُ الإرهاب
بوهْنِ نفسيّةِ الأُمَّة
جِئْتُكَ..
دونَ أوراقٍ ثُبوتيّة
لحسنِ حظّي
كانَ المُجنَّدُ على الحاجزِ
جائعًا ووسنان
أتيْتُ هُنا..
بقدمينِ حافيتيْنِ متشقّقتيْن
وكنزةٍ ملطَّخةٍ بالوحلِ والملح
ووجهٍ مُثخنٍ بالنّمشِ الأسود
وشعرٍ مُبعثَر
لن أحتاجَ إذنًا من أحد
كيْ أُنَقِّبَ في عَينَيْك
عن ثورةٍ رَثّةٍ دمويّة
أشعلها الفُقراء
ونفرَ منها اليساريّون
وتسلّقها تُجّارُ الدّينِ والسّياسةِ والحروب
عن حُرّيّةٍ
جذريّةٍ مُطلقة
تخشاها النُّخَبُ
ويحاربُها برجوازيّو دمشق
ويناضلُ لأجلِها المهمّشون
والمسحوقون
ومُعَذَّبو الأرض
الذينَ لا يتناولون الطّعامَ بالشّوكةِ والسّكّين
عن عَدالةٍ ثَوْريّة
لا تطأُ الفنادِقَ
ولا تحضرُ مؤتمراتِ المصالحةِ الوطنيّة
ودروسَ القانونِ الدَّوليّ
عن عَدالةٍ ثَوْريّة
يجهلُها المثقّفون
وتعرفُها أمّهاتُ الشّهداء
والمعتقلاتُ المضرباتُ عن الطّعام
وأطفالُ المخيّمات
جِئْتُكَ..
بقلبٍ مُترهِّلْ
وصوتٍ مبحوح
وعينيْنِ مُكفَهِرّتيْن
كي أُنَقِّبَ في عَينَيْك
عن وطني..
عن شامي..